تُعد السمنة لدى الأطفال مشكلة صحية متفاقمة على مستوى العالم، ولا تقتصر آثارها على البالغين فقط، بل أصبحت تهدد صحة الصغار أيضًا. تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 15 مليون طفل ومراهق في الولايات المتحدة يعانون من السمنة، أي ما يعادل طفلًا واحدًا من كل خمسة أطفال، وهي نسبة تضاعفت ثلاث مرات منذ سبعينيات القرن الماضي. فماذا نعرف عن هذه الظاهرة؟ وما هي أسبابها، أعراضها، وطرق علاجها الفعالة؟
علامات السمنة عند الأطفال: أكثر من مجرد وزن زائد
السمنة لا تعني فقط الزيادة الملحوظة في الوزن، بل يصاحبها مجموعة من العلامات التي تؤثر بشكل كبير على صحة الطفل ونمط حياته، ومنها:
- التعرق المفرط حتى في الأوقات الباردة.
- الإرهاق المستمر وصعوبة ممارسة الأنشطة اليومية.
- ارتجاع معدي مريئي يؤدي إلى الإحساس بالحموضة والانزعاج.
- مشاكل في النمو الجنسي مثل تأخر البلوغ لدى الذكور أو البلوغ المبكر عند الإناث.
- ضيق التنفس، وخصوصًا عند القيام بأي مجهود بدني.
- توقف التنفس الليلي والشخير بصوت عالٍ.
- آلام في المفاصل تؤثر على قدرة الطفل على الحركة.
كيف يتم تشخيص السمنة لدى الأطفال؟
يعتمد تشخيص السمنة على مؤشر كتلة الجسم (BMI)، والذي يُقارن بنسبة الطول إلى الوزن وفقًا لعمر الطفل وجنسه. إذا كان المؤشر عند أو أعلى من النسبة المئوية 95، يُعتبر الطفل مصابًا بالسمنة. يأخذ الطبيب في الاعتبار أيضًا عدة عوامل أخرى منها:
- التاريخ العائلي للسمنة أو أمراض التمثيل الغذائي.
- النظام الغذائي للطفل.
- مدى نشاطه البدني.
- أي حالات صحية مزمنة مصاحبة.
لماذا تعتبر السمنة في مرحلة الطفولة أمرًا خطيرًا؟
السمنة ليست مجرد مظهر خارجي، بل تؤثر على صحة الطفل جسديًا ونفسيًا. ومن بين المضاعفات الخطيرة المرتبطة بها:
1. أمراض الجهاز التنفسي
مثل الربو المزمن، حيث يصعب على الرئتين أداء وظيفتهما بشكل طبيعي مع زيادة الوزن.
2. أمراض القلب والأوعية الدموية
بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب لاحقًا.
3. اضطرابات العظام والمفاصل
نتيجة الضغط المتزايد على العظام والمفاصل، يعاني الطفل من ضعف الغضاريف وصعوبة الحركة.
4. مشاكل في النوم
مثل انقطاع النفس أثناء النوم، مما يؤثر على جودة الراحة والنمو العقلي والجسدي.
5. داء السكري من النوع الثاني
أحد أخطر المضاعفات التي باتت شائعة بين الأطفال المصابين بالسمنة، نتيجة مقاومة الأنسولين.
6. التأثيرات النفسية
يُعد التنمر والعزلة الاجتماعية من أكثر الآثار النفسية المرتبطة بالسمنة، والتي قد تؤدي إلى الاكتئاب والقلق عند الأطفال والمراهقين.

حلول علاجية متكاملة لمواجهة السمنة عند الأطفال
يُعد علاج السمنة عملية متعددة الجوانب، تبدأ بتغيير نمط الحياة وقد تصل إلى التدخلات الطبية أو الجراحية. إليك أهم الوسائل المستخدمة:
أولًا: تعديل نمط الحياة والعادات الغذائية
- زيادة النشاط البدني: ممارسة الرياضة من 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيًا.
- نظام غذائي صحي ومتوازن: يعتمد على الخضروات، الحبوب الكاملة، والبروتينات النباتية.
- تقليل تناول الوجبات السريعة والمصنعة: خاصة تلك الغنية بالسكر والدهون والملح.
- النوم الكافي: يؤثر بشكل كبير على التوازن الهرموني المرتبط بالجوع والشبع.
ثانيًا: الأدوية المصرح بها لعلاج السمنة
في الحالات التي لا يُجدي فيها تعديل السلوك الغذائي، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية مثل:
- ليراجلوتيد (Liraglutide)
- أورليستات (Orlistat)
- فنترمين / توبيراميت (Phentermine-topiramate)
- سيماغلوتايد (Semaglutide)
يجب استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبي دقيق ووفقًا لحالة الطفل.
متى يتم اللجوء إلى جراحة السمنة للمراهقين؟
تُوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) بإجراء جراحات السمنة للمراهقين الذين يبلغون 13 عامًا أو أكثر، والذين يعانون من:
- مؤشر كتلة جسم 35 مع وجود مشاكل صحية.
- مؤشر كتلة جسم 40 فأكثر بدون مضاعفات واضحة.
- حالات السمنة المفرطة المستعصية على العلاجات التقليدية.
تشمل الجراحات الشائعة:
- تكميم المعدة (Gastric Sleeve)
- المجازة المعدية (Gastric Bypass)
لكنها تتطلب التزامًا دائمًا بنمط حياة صحي وغذاء صارم بعد العملية.
الوقاية من السمنة عند الأطفال
أفضل علاج للسمنة هو الوقاية، وتشمل:
- اتباع نظام غذائي متوازن
- تقليل المشروبات السكرية
- تشجيع الطفل على الحركة
- تقليل الضغط النفسي
ماذا تفعل إذا شعرت أن طفلك يعاني من السمنة؟
إذا لاحظت زيادة مستمرة في وزن طفلك أو ظهور أعراض مقلقة، لا تتردد في مراجعة طبيب الأطفال المختص. سيسألك الطبيب عن:
- العوامل الوراثية المؤثرة على السمنة.
- النظام الغذائي الذي يتبعه الطفل.
- مستوى النشاط اليومي.
- أي أعراض صحية أو نفسية مرافقة.
الفحص المبكر يمكن أن يساعد بشكل كبير في تقليل مخاطر السمنة على المدى الطويل.
السمنة ليست قدرًا.. بل يمكن تجنبها
السمنة عند الأطفال ليست حكمًا نهائيًا، بل هي مشكلة صحية قابلة للعلاج إذا تم التدخل في الوقت المناسب. الأهم من ذلك هو الوعي والمعرفة ثم اتخاذ الخطوات العملية المبكرة.
في حال راودتك الشكوك بشأن وزن طفلك أو ظهرت عليه أعراض السمنة، لا تترددي في زيارة قسم الأطفال في عيادات الصفاء الرائدة بجدة. يشرف على القسم نخبة من الأطباء المتخصصين في متابعة نمو الطفل، وعلاج السمنة واضطرابات التمثيل الغذائي، من خلال برامج مخصصة تجمع بين التغذية والطب والدعم النفسي.
ابدئي بخطوة صغيرة اليوم لتحمي صحة طفلك مدى الحياة.

