مع حلول فصلي الخريف والشتاء، تزداد فرص الإصابة بـ التهابات الجيوب الأنفية نتيجة تغيرات الطقس، وزيادة حدة نزلات البرد والإنفلونزا، مما يؤدي إلى انسداد الأنف وصعوبة التنفس. ورغم أن التهاب الجيوب قد يبدو في البداية مشكلة بسيطة تتعلق بالجهاز التنفسي، إلا أن تأثيره قد يمتد إلى مناطق أخرى في الجسم، ومن أبرزها الأذن.
فالعلاقة بين الأنف والأذن وثيقة للغاية، نظرًا لارتباطهما بقنوات وأنابيب داخلية مشتركة، مما يجعل التهابات الجيوب قادرة على التسبب في أعراض مزعجة مثل الدوخة، طنين الأذن، أو حتى ضعف السمع المؤقت.
في هذا المقال، سنتناول بشيء من التفصيل كيف يمكن أن يؤثر التهاب الجيوب الأنفية على صحة الأذن، وما الأعراض التي يجب الانتباه إليها، وأفضل الطرق للعلاج والوقاية.
ما هى أعراض التهاب الجيوب الأنفية
يُعد التهاب الجيوب الأنفية من المشكلات الشائعة التي تزداد انتشارًا في فصلي الخريف والشتاء، ويحدث عندما تلتهب بطانة الجيوب الأنفية نتيجة عدوى فيروسية أو بكتيرية أو حتى بسبب تحسس مزمن. هذه الالتهابات قد تصيب جزءًا أو أكثر من تجاويف الجيوب، وتؤدي إلى أعراض مزعجة تؤثر على راحة المريض اليومية.
أبرز أعراض التهاب الجيوب الأنفية
عند التهاب الجيوب الأنفية، تظهر مجموعة من الأعراض التي قد تختلف من شخص لآخر، وتشمل:
- ارتفاع في درجة الحرارة (الحمى).
- انسداد في الأنف، وصعوبة في التنفس عبره.
- احتقان الحلق نتيجة تصريف المخاط المتراكم إلى الخلف.
- صداع شديد، غالبًا ما يكون متركزًا في الجبهة أو حول العينين.
- ألم في الوجنتين أو خلف العينين، خاصة عند الانحناء.
- إفرازات سميكة مائلة إلى اللون الأخضر أو الأصفر من الأنف.
- رائحة فم كريهة.
- ألم في الأسنان العلوية.
- انخفاض في حاسة الشم.
ولكن، من بين هذه الأعراض، هناك عرض لا يقل أهمية، ويعاني منه عدد كبير من المصابين، ألا وهو ضعف السمع المؤقت أو الشعور بانسداد الأذن.
كيف يؤثر التهاب الجيوب الأنفية على الأذن؟
ترتبط الجيوب الأنفية والأذن عبر قناة استاكيوس (Eustachian Tube)، وهي قناة دقيقة تمتد من مؤخرة الأنف إلى الأذن الوسطى، وتساعد في موازنة ضغط الهواء داخل الأذن. وعند حدوث التهاب في الجيوب، قد تتورم هذه القناة أو تُغلق تمامًا، مما يمنع تصريف السوائل من الأذن إلى البلعوم الأنفي.
ماذا يحدث نتيجة هذا الانسداد؟
- تراكم السوائل خلف طبلة الأذن، مما يسبب ضغطًا وألمًا.
- شعور بانسداد في الأذن، يشبه الإحساس عند الغوص في الماء.
- طنين أو طقطقة في الأذن.
- ضعف مؤقت في السمع، وكأن الأصوات مكتومة أو بعيدة.
- خلل في التوازن أو شعور بالدوخة، نتيجة الضغط على الأذن الداخلية المسؤولة عن التوازن.
في بعض الحالات، قد يتطور الأمر إلى عدوى في الأذن الوسطى إذا لم تُعالج الحالة بالشكل الصحيح، خاصة عند الأطفال وكبار السن.
عندما تنتفخ بطانة الجيوب الأنفية نتيجة الالتهاب، يتزايد إنتاج المخاط، وتصاب المجاري التنفسية بالانسداد. وبسبب قرب الأذن من الجيوب الأنفية، فإن أي احتقان في المنطقة يؤثر بسهولة على أداء قناة استاكيوس، مما يؤدي إلى مشكلات في السمع والشعور بالضغط داخل الأذن.
وفي بعض الحالات، خاصة إذا كان الالتهاب مزمنًا أو شديدًا، قد يؤدي إلى فقدان مؤقت للسمع بسبب تراكم السوائل خلف طبلة الأذن، أو انسداد قناة استاكيوس. وغالبًا ما يكون هذا الفقدان مؤقتًا، ويزول بعد علاج السبب الرئيسي والتخلص من الالتهاب.
لكن في حال تم إهمال العلاج أو استخدام أدوية غير مناسبة، فقد تتفاقم الحالة وتؤدي إلى مضاعفات أكثر خطورة على الجهاز السمعي.
مضاعفات ترك التهاب الجيوب الأنفية دون علاج
قد يعتقد البعض أن التهاب الجيوب الأنفية مشكلة بسيطة تزول من تلقاء نفسها، ولكن الحقيقة أن إهمال علاجها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على عدة أعضاء حيوية في الجسم، وقد تكون مهددة للحياة في بعض الأحيان، خاصةً إذا تطورت العدوى وانتشرت إلى أماكن مجاورة كالعين أو الدماغ.
من أبرز هذه المضاعفات:
1. مضاعفات تؤثر على الرؤية
عند انتشار عدوى الجيوب الأنفية إلى منطقة العين، يمكن أن تُسبب:
- التهاب النسيج الخلوي الحجاجي.
- احمرار العين وتورمها.
- ضعف أو ضبابية في الرؤية.
- وفي الحالات الشديدة: فقدان البصر أو العمى بشكل دائم، وهي حالة طارئة تستدعي التدخل الفوري.
2. مضاعفات تؤثر على الدماغ
من أخطر ما قد يحدث نتيجة إهمال علاج الجيوب الأنفية هو:
- التهاب السحايا، وهي عدوى تصيب الأغشية المحيطة بالمخ والحبل الشوكي.
- خراج الدماغ، وهو تجمع صديدي داخل أنسجة المخ. وكلا الحالتين تهدد الحياة وتتطلب عناية طبية عاجلة.
3. مضاعفات على حاسة الشم
نتيجة الالتهاب المزمن، قد يصاب المريض بـ:
- نقص أو فقدان مؤقت لحاسة الشم.
- وفي بعض الحالات المتقدمة، فقدان دائم لحاسة الشم نتيجة تضرر عصب الشم أو انسداد الأنف المزمن.
4. القيلة المخاطية للجيوب الأنفية (Mucocele)
وهي كتلة تتشكل نتيجة احتباس المخاط داخل الجيب الأنفي، وعادةً ما تحدث بسبب انسداد الممرات الأنفية لفترة طويلة. وقد تسبب ضغطًا على الهياكل المجاورة، ما يتطلب علاجًا جراحيًا في بعض الحالات.
5. تجلط الجيوب الوريدية (Cavernous Sinus Thrombosis)
من أخطر المضاعفات النادرة، حيث يقوم الجسم بتكوين جلطة دموية داخل أحد الأوردة العميقة الموجودة خلف العينين. وقد يؤدي ذلك إلى:
- تدلي الجفن.
- ألم شديد في العين.
- فقدان البصر نتيجة الضغط على العصب البصري.
- تأثير مباشر على الدماغ نتيجة توقف تدفق الدم الطبيعي، ما يشكل خطرًا كبيرًا على حياة المصاب.

علاج التهاب الجيوب الأنفية
علاج التهاب الجيوب الأنفية لا يقتصر فقط على التخلص من العدوى، بل يشمل أيضًا الحد من الأعراض المصاحبة له، وخصوصًا تلك التي تؤثر على الأذن ووظيفة السمع. وفيما يلي أبرز الخطوات العلاجية التي يوصي بها الأطباء:
أولًا: علاج التهاب الجيوب الأنفية
يُعالج التهاب الجيوب الأنفية بناءً على السبب الكامن وراءه (فيروسي، بكتيري، أو تحسسي)، وتشمل خيارات العلاج ما يلي:
- مضادات الاحتقان: مثل بخاخات الأنف المزيلة للاحتقان (تُستخدم لفترة قصيرة فقط) لتخفيف انسداد الممرات الأنفية وتسهيل التنفس.
- مسكنات الألم: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين لتقليل الصداع وألم الوجه الناتج عن الضغط داخل الجيوب الأنفية.
- غسول الأنف أو بخاخات الأنف الملحية: تساعد على تنظيف الأنف من المخاط وتقليل التورم.
- المضادات الحيوية: تُستخدم فقط في حالة وجود عدوى بكتيرية واضحة، ويجب أن تكون بوصفة من الطبيب المختص.
- أدوية الحساسية: مثل مضادات الهيستامين أو بخاخات الكورتيزون الأنفية، في حال كان السبب تحسسيًا.
ثانيًا: التخفيف من تأثير الجيوب الأنفية على الأذن
بسبب العلاقة الوثيقة بين الأنف والأذن عن طريق قناة استاكيوس، يمكن أن تؤدي التهابات الجيوب إلى انسداد هذه القناة وتسبب الشعور بالامتلاء والألم داخل الأذن. ولتخفيف هذه الأعراض، يمكن اتباع النصائح التالية:
- مضغ العلكة أو بلع اللعاب بانتظام: لتحفيز فتح قناة استاكيوس وموازنة الضغط داخل الأذن.
- القيام بحركة التثاؤب أو مناورة فالسالفا (إغلاق الفم والأنف والنفخ بلطف): لتعديل الضغط داخل الأذن.
- وضع كمادات دافئة على الأذن: للمساعدة في تخفيف الألم وتحسين تدفق الدورة الدموية في المنطقة.
- الابتعاد عن التغيرات المفاجئة في الارتفاع مثل ركوب الطائرة خلال فترة الالتهاب، لتجنب تفاقم أعراض الأذن.
متى يجب زيارة الطبيب ؟
في بعض الأحيان، قد لا يكون التهاب الجيوب الأنفية مجرد نزلة برد عابرة، بل علامة على وجود عدوى أكثر خطورة تحتاج إلى تدخل طبي عاجل. لذلك، من الضروري عدم إهمال الأعراض أو الاعتماد على العلاجات المنزلية فقط، خاصةً في الحالات التالية:
توجه فورًا إلى الطبيب إذا لاحظت:
- تكرار الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية خلال فترات قصيرة، دون وجود استجابة فعالة للعلاج.
- استمرار الأعراض لأكثر من 10 أيام دون تحسن، أو تفاقم الأعراض بعد تحسن مبدئي.
- ارتفاع درجة الحرارة (الحمى) بشكل مستمر، خاصةً إذا تجاوزت 38.5 درجة مئوية.
- الصداع الشديد أو غير المعتاد، خاصةً إذا كان مصحوبًا بتيبس الرقبة أو اضطرابات في الوعي.
- احمرار وتورم في المنطقة المحيطة بالعين، مع ألم عند تحريك العين.
- تورم في الجبهة، وهو من العلامات المقلقة التي قد تدل على انتشار العدوى.
- تيبس الرقبة أو صعوبة في تحريك الرأس، مما قد يشير إلى التهاب السحايا.
- ازدواجية الرؤية أو مشكلات مفاجئة في الرؤية مثل عدم وضوح الصور أو فقدان جزئي للبصر.
وفي هذا السياق، عيادات الصفاء الرائدة في جدة تقدم تشخيصًا دقيقًا وحلولًا متطورة لاحتقان الأذن والتهابات الجيوب الأنفية تحت إشراف الدكتور عبد الرحمن الشالي، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، بخبرة تفوق 20 عامًا.